الفصل_٢ 

✍🏻 الدُّمُوعُ تَقُصُّ وتَسِيل

'الا ترجع الى البيت..؟ ومن يجيئ الى الدكان في هذا الليل المظلم ؟' لما استيقظ الشاب من النوم القى السؤال الي الشيخ  وكان في حيرة كيف يجيب الشيخ عنه؟. لكن لم يجد في وجهه أيّ تغير بل تبسّم قليلا قائلا 'يا بنيّ،لا تسأل عن مثله انت على شبابتك ،عِشْ فرحا لا تكن مثلي.بارك الله فيك'

وقد يرى في وجه الشيخ علامة حزن وخسارة

وقال الشاب :'بل أخبرني عن حالك كي أشكرك على هذه النعمة ان استطعت.'

'لا..دع الفكر يا بنيّ'

'لا والله لا أنام حتى تخبرني عن حالك'

'لا تستطيع لتحمل اثقالي وانت على شبابك'

'استطيع ان شاء الله'

بينما يترددان في السؤال والجواب أُذّن لصلاة الصبح فانطلقا الى المسجد.

والشيخ يقرأ القرآن في جانب المسجد بصوت رفيع لذيذ لم يتعبه شيخوخته وهمومه قطّ. كأنه يناجي به ربّه ويشتكي إليه شكواه والشاب ينتظره جالسا خلفه ينظر اليه بالعجب ويستمع الى قراءته

بدأ الشيخ يدعو بعد القراءة الطويلة تسيل من عينيه الدموع ويبكي خائفا الى الله.

'وا عجبا شيخ يبكي بذكر الله..!!'

لمّا اراد الشيخ ان يقوم من مجلسه جلس الشاب أمامه قائلا 'أسألك بحق هذا القرآن ،ماذا الزمك على فتح دكانك طوال الليل..؟لا أقوم من هنا حتى تجيبني' وكان على عزم وقد ظهر اثره في وجهه

ونظرا الى عين الآخر كثيرا والدموع تسيل من عينيهما. والعيون بدأت تتكلم بلا صوت لكن الدموع كتبت تلك المكالمة كلها في وجهيهما لا يعرف حروفهما الا من عرف لغة الحزن.

وقال الشيخ أخيرا 'نخرج من بيت الله سأخبرك وقاما يمشيان..

'يا بني كان لي ابن مثلك ذكي فطن جميل قد أتممت دراسته مع تحمل المشقات العديدة بسبب الاموال المحتاجة..لكن..لكن..' 

لم يتم كلامه الا وسقط الى عاتق الشاب معانقا له وباكيا والشاب بدأ يمسح بيده اليسرى على ظهره.

ويقول من بين البكاء 'ذات يوم قد رحل الى جوار ربه إثر حادثة دراجة هوائية ومات فجأة..! وازداد يبكي والدموع تبلل قميص الشاب.

كيف يستطيع أب علي ذكرى موت روحه وقلبه !والحال انه لم يبقَ له ابن يرثه ويراعيه في شيخوخته وتعبه.

'يا شيخ هل لك من ولد آخر ؟'

'ثلث بنات،زوجت الأولى ببيع ثلث ارضي الذي ورثتها من أبي،والثانيةَ ببيع الثلث الثاني ثم بقي البيت وفناءه فقط ثم لزواج الثالثة رهنتها في البنك بتسع مأة آلاف ! لكن..' ولم يستطع على الإتمام والدموع تمنعه عنه !.

نشفها الشاب من وجهه بالمنديل وقال "لكن...."أخبرني يا شيخ.

'لكن قد تمت سنة كاملة ما قضيت الدين الى الآن !! قد ازداد الربا الى مبلغ مأة الف ! والله المستعان وعليه التكلان'

رفع الشيخ يديه وعينيه الى السماء معا

'لا تخف والله معك ،إنك عبد ذاكر شاكر لا يدعك الباري' آساه الشاب

'نسيت أن أسأل عن اسمك يا بني'

'أديب ،من قرية "السوق الكبير"'

'وأنت؟'

'يدعونني "الحاجّ" ولا يعرف اسمي أكثر الناس وهو أحمد كويا'

عادت الشمس من المشرق بعد السفر الطويل الى بلاد الغرب بعزتها وفخارها وأنوارها كادت تنور البلاد .والناس يذهبون الى حاجاتهم الشتى.

ورجعا الى الدكان وكان هناك بعض الشيوخ أمثال الحاج ينتظرونه لشرب الشاي من دكانه. بعد التحية بالسلام قال لهم الحاج 'هلموا معي نصحح سيارة هذا الشاب. وصححوها بأسرع وقت مع مراح وفرح. والحاج ايضا يمرح معهم ويضحك ويرفع صوته كشاب مع إخوانه الشباب.لا يوجد فيه اذاك اي علامة الحزن، وقد اضمر الكل في مضماره.

'عجبا شيخ تقي صابر !!'

رجع الأديب مع اذن الجميع في سيارته وأكّد للحاجّ انه سيجيئ على قرب لزيارته. والسيارة تقطع بلدا بعد بلد وهو يتفكر كيف تستقيم أيام الحاج بهذا الدكان الصغير ؟ومن يرى أحزانه ؟ومن يدري بشكوىه ؟ والله ان عليّ له حقا وانّي لأأديه ان شاء الله.

والسيارة تسير والشاب يطير بفكره في عالم التأمل والتفكر.

(تتصل....)

✍ نجيب اليماني

📲 ٨٩٤٣٧١٨٢٥٧